العرب وصناعة الفراعنة / مصطفى الطرابلسي

بسم الله الرحمن الرجيم
العرب وصناعة الفراعنة
مصطفى الطرابلسي
“الشعوب تصنع طغاتها” كلمة قيلت تفسيرا لنشؤ الدكتاتورية والاستبداد، وهذا ما يفسر أسباب تفشي واستيطان هذا الداء في بلداننا العربية؛ فتعلق الشعوب العربية بالزعامات حتى لو كان في ذلك هلاكها وحتفها عقدة من العقد التي لا زالت تحكم قطاعات كبيرة من الشعوب العربية نتيجة الجهل وقلة الوعي!
في عهد الدكتاتور عبد الناصر الذي فتن بخطاباته الطنانة الملايين من العرب، كان في الناس من لايتصور أي مستقبل للعرب في غيابه؛ فهو في نظرهم الزعيم الملهم الذي سيحقق لهم كل الآمال التي يصبون إليها.
لقد بلغ من تعلق الناس به إلى حد التصفيق والهتاف للشيء ونقيضه مما يقوله في خطاباته؟ ففي ستينات القرن الماضي خطب ذات مرة في الجمهور الذي احتشد لسماعه، وتطرق للحرب القائمة يومها في اليمن وكان الجيش المصري مشاركا فيها، ومما قاله في ذلك الخطاب: (( لقد قررنا ضرب الرجعية في اليمن )) وما إن سمعت الجماهير ذلك حتى انفجرت تهتف: (( اضرب اضرب يا جمال )) وبعد أن هدأت الهتافات قال: (( ولكن عشان الوحدة العربية قررنا ألا نضرب )) وهنا تعالت صيحات الجماهير: (( ما تضربش يا جمال ))! وحتى عندما جر الكارثة الكبرى على مصر بهزيمة عام 67 استطاع أن يقنع الناس – أو هم مقتنعون – بأن هذه الهزيمة نصر؛ طالما لم تستطع إسرائيل والغرب زحزحته عن قيادة مصر ؟! وهكذا تساهم الشعوب في صنع الطغاة الذين يلعبون بمصائرها؛ طالما يسيطر عليها الجهل وقلة الوعي بحقوقها السياسية وغفلتها عن كونها صاحبة السلطة الحقيقية تفوض ممارستها لمن تريد بإرادتها الحرة عن طريق الانتخاب، ولها الحق في مراقبته ومحاسبته وعزله متى أخل بوظيفته هذه.
في أوربا الغربية ولى ذلك العهد الذي يسلم الناس فيه مصيرهم للقائد الفارس الملهم القادم على حصان أبيض؛ ليقود الأمة نحو الأمجاد، فشعوبها وعت الدرس من تجربة نابليون الذي أسلمته فرنسا قيادها لعبقريته العسكرية التي حقق بها بعض الانتصارات الباهرة، لكنها انقلبت إلى هزائم وخسائر فادحة؛ جرها هذا الإمبراطور المغامر على بلاده فاقتنع من حينها أهل الحل والعقد عندهم أن الأمم إنما تحتاج إلى قيادة حكيمة تعمل لصالح الدولة والمجتمع، وليست تلك التي تدخل بها في مغامرات لتحقيق أمجاد شخصية تدفع الشعوب ضريبتها من دماء أبنائها وتهدر فيها ثرواتها وتعرضها للاحتلال الخارجي، كما أقنعتهم بشئ آخر وهو: أن جلائل الأعمال التي يقوم بها بعض الناس لأمتهم في أوقات الأزمات لا يجب أن تتحول إلى منّة منهم يجب على الشعوب مكافأتهم عليها بتنصيبهم حكاما دائمين كما يصنع الزعماء العرب!
ففي بريطانيا لم ينتخب شعبها تشرشل لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي تلت الحرب العالمية الثانية؛ رغم أنه قادها إلى النصر في تلك الحرب، وأثبت أثناءها أنه سياسي بارع محنك، ولكنهم لم يروا فيه الشخص المناسب لمرحلة ما بعد الحرب؛ فلكل مرحلة رجالها، ولم يقل لهم كما قال حسني مبارك للشعب المصري: لقد قاتلت من أجل مصر في حرب عام 1973؟ وكأن ما فعله لوطنه منّة تخول له أن يحكم مصر إلى الأبد وليس واجبا وظيفيا وقبل ذلك وطنيا يجب عليه القيام به!
عندما جاء القذافي للحكم عام 1969أيده الليبيون جميعا، وظنوا أنه سيأخذ بهم وبليبيا إلى عالم التقدم والازدهار؛ بعدما سمعوا خطاباته الرنانة التي كان يقول فيها: ” لا مظلوم ولا مغبون في ليبيا بعد اليوم” و ” الثروة والحرية للشعب ” وما أن تمكن من السلطة بعد خمس سنوات حتى كشف لهم وجهه الحقيقي؛ فنصب لهم المشانق، وفتح لهم السجون، وأبدلهم بالجنة التى وعدهم بها نار حقده وجنونه مدة اثنتين وأربعين سنة.
لهذا يجب ألا ينخدع الليبيون بالوعود التي يغازلهم بها بعضهم كي ينصبوه زعيما مدى الحياة، فقد أثبتت التجربة التاريخية أن تحديد فترة الرئاسة بأربع سنوات خير علاج لداء الاستبداد؛ من هنا يجب التأكيد في مرحلة لليبيا ما بعد القذافي على هذا المبدأ، وجعله أساسيا في النظام السياسي القادم من خلال النص عليه في الدستور، وأتمنى أن تحضى ليبيا بهذا الشرف التاريخي من بين جميع الأقطار العربية، ألا وهو شرف أن تكون أول دولة عربية يتم فيها – عمليا – وأد قصّة الاستبداد والدّكتاتوريّة؛ بتطبيق مبدأ تحديد فترة الرّئاسة والتّداول السّلمي للسّلطة، وما لم نفعل ذلك في هذه الفرصة التاريخية فإننا سنجد الأمور قد عادت إلى سيرتها الأولى بعد حين، ونكون استبدلنا دكتاتورية بأخرى قد تكون أخفّ من الأولى لكنها في النهاية تبقى استبدادا ودكتاتورية؟

 

3 comments

  1. مع كل الاحترام سيد ساطور لماذا لا نجد لك تعليق على التخلخل القطري في ليبيا وزيارة ولي العهد الاخيرة تستحق الكثير من الرسم..والا انت ايه رايك يا عموا..؟؟؟

  2. عداءك لجبريل افقدك الكثير من التركيز عن اشياء اهم دع محمود جبريل لمن انتخبه ولمن لم ينتخبه ايضا فأن لم ينفع لن يستعصى عليهم نزعه اضافة لتوجهك الفدرالي المتطرف غير الكثير من نظرتنا للساطور ايام المعارضة قبل الثورة نصيحة ابتعد عن الشخصنة

  3. (( ألا وهو شرف أن تكون أول دولة عربية يتم فيها – عمليا – وأد قصّة الاستبداد والدّكتاتوريّة)) انا كامازيغي ليبي لا يشرفني ابدا ان تكون ليبيا دولة عربية …افضلها ان تكون صومال او افغانستان او عراق تانية على ان تكون ليبيا دولة عربية .. لن نسمح لكم …إلا على جتثنا

أضف تعليق